الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية المنصف بن مراد يكتب: قنبلة موقوتة... الصّــــراع بين الحكومة واتحاد الشغل

نشر في  20 أفريل 2016  (11:04)

منذ أشهر وأنا أذكّر بأنّ العلاقات بين اتحاد الشغل والحكومة ما فتئت تتدهور، وقد بلغت حدّ التصعيد من قبل المنظّمة الشّغيلة التي تسرعت في الموافقة على عدد من الاضطرابات على غرار الاضراب في قطاع الصحّة وفي الوقت نفسه صعدت الحكومة عندما رفضت دراسة مقترحات المنظّمة الشّغيلة.. لقد لاحظنا تغيب السيد حسين العبّاسي الأمين العام لاتحاد الشغل عن كلّ التظاهرات الرسمية التي أشرفت عليها رئاسة الجمهورية بما في ذلك عيد الاستقلال، اضافة الى حدّة اللهجة في خطب مسؤولي اتحاد الشغل.. ولو تواصل هذا الصّراع فانّه لأضرّ البلاد ونموّها وأمنها..
 فكيف يمكن تفسير موقف اتحاد الشغل من الحكومة وهل انّ المنظّمة الشغيلة هي المسؤولة وحدها عن تردّي هذه العلاقة؟ وهل انّ رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ومجلس الشّعب أخذت بعين الاعتبار مقترحات اتحاد الشغل؟
يعتبر اتحاد الشغل أنّه هو الذي لعب دورا محوريّا في انهاء حكم الترويكا وتكبيل النهضة وإضعافها، وذلك من خلال المظاهرات  وتنظيم اجتماعات الرّباعي الراعي للحوار، كما ساند بصفة غير مباشرة الأحزاب المدنية واليسارية خلال الانتخابات التشريعيّة والرئاسية.. كل ذلك يجعل المنظّمة الشغيلة تشعر انّ النداء والباجي قايد السبسي استغلاّ ثمرات نضالها ولم يراعيا بعض مقترحاتها التي تؤسّس للعدالة الاجتماعيّة.. ورغم دور الاتحاد الفعّال في التغييرات السياسيّة وفوز الأحزاب المدنية، تحالف الحزب الفائز مع النهضة وكانت الأغلبية السّاحقة من قراراتهما ذات صبغة ليبيرالية، وبالتالي غير مراعية لشواغل الطبقات المحرومة..

ولو حدثت قطيعة مع الماضي، لكان بإمكان التحالف الحاكم ورئيس الجمهورية ان يرسوا عدالة اجتماعية واضحة وان يؤسّسا لجمهورية جديدة بعيدة كل البعد عن الرأسمالية المتوحّشة.. والثابت انّ هناك صراعا خفيّا بين السّلطات واتحاد الشغل حول الاختيارات والتوجّهات الاقتصادية والاجتماعيّة.
اما الاشكال الثاني فمرتبط بالأول ويتعلق بالاختيارات الاقتصادية التي تفرضها المؤسسات النقدية العالمية على الحكومة التونسيّة والتي من ضمنها التقليص ـ نسبيا ـ من النفقات الاجتماعيّة كالصحّة والتعليم وعدم الانتداب في الإدارة واستقلالية البنك المركزي التونسي حتى يتحول الى شبه مصرف خاصّ.. وهكذا وبحكم طبيعته كمدافع عن الشغّالين وضعاف الحال ودوره التاريخي  الوطني رفض اتحاد الشغل اصلاحات  صندوق النقد الدولي والبنك العالمي واملاءاتهما التي تضع مصالحهما فوق كلّ المصالح.
أمّا الإشكال الثالث فيتعلّق بالجباية ذلك أنّ عددا من المهن الحرّة والتجار والصّناعيين يتملّصون من واجبهم الجبائي في حين يضخّ الموظّفون والعمال 80 ٪ من مداخيل الجباية.. وللتذكير فانّ التهرب الجبائي يناهز 8000 مليار من مليماتنا، علما انّ العجز المالي للحكومة يقارب 6500 مليار من مليماتنا.. ورغم مجهودات وزارة المالية لحمل المتهرّبين على دفع واجبهم الجبائي فانّ اتحاد الشغل يعتبر انّ هذه المجهودات تفتقر للحزم والرّدع.
وممّا لا يرقى إليه ايّ شكّ هو انّ الصّراع بين الحكومة والمنظّمة الشّغيلة سيحدث أزمات خانقة ومتكرّرة لأنّ هناك ضغط المؤسسات المالية العالمية من جهة، ومن جهة أخرى ثقل الاتحاد الذي يطالب بمراجعة الاختيارات الاقتصادية والاجتماعيّة للحكومة.. وحسب المتابعين للشأن السياسي فانّ الحكومة التونسية ورئاسة الجمهورية ومجلس الشعب منحازون لما يقرّه البنك  الدولي الذي «سيضمن» خلال السنوات الأربع القادمة قروضا تناهز قيمتها 5000 مليار من مليماتنا في حين انّ بلادنا بحاجة الى حوار معمّق يأخذ في الحسبان ايضا عددا من افكار اتحاد الشغل المتعلّقة بالعدالة الاجتماعية والمديونية وتنمية الولايات المهمّشة.
انّ القنبلة الاجتماعيّة الموقوتة ستكون لها تداعيات خطيرة على الاستقرار الاجتماعي في بلادنا لأنّه، وإلى يومنا هذا، لم يُحدّد نمط المجتمع الذي نريده، وهذا الأمر يتطلب مشاركة كل الأطراف الاقتصادية والاجتماعية حتى نضمن دوام المؤسّسة الاقتصاديّة وازدهارها وبصفة موازية سلامة المناخ الاجتماعي وتحقيق نمو اقتصادي برقمين..